هل كتبت مرثيتك؟

 

أعتقد أن العام 2020 قد برع إلى حدٍ مبدع فيما فعله بالبشر. لن تجد أحداً لم يتأثر بأحداثه بشكل أو بآخر، وإن تفاوت مدى التأثير وتنوعت وطأته، ولكنه نال منا جميعاً وأصاب العالم أجمع بالشلل. ولكنني عندما أستذكر أحداثه، أتيقن من أن هناك من تمكن من تحديد الجانب المضيء في هذا العام، وتعلم تقدير التفاصيل الصغيرة في حياته حق قدرها، كما أن مجرد بقائنا على قيد الحياة، في خير صحة وطيب حال، يعد إنجازاً في حد ذاته. وكما قالت “ديانا” “ووندر ومان” في عالم (DC) في فيلمها الجديد WW84 “أحياناً ما يغيب عنك ما تتعلمه إلى أن تخرج على الجانب الآخر.” تلك هي الحال، حيث نستنزف طاقتنا في ملاحقة شؤون حياتنا، فنعجز عن تبين حقيقة ما جرى إلا حينما ينقشع الغبار ويسكن كل شيء، وعندئذ ننتبه إلى ما كان. ومن باب اليقين أن أكثرنا تمكن من صياغة رأيه في العام المنقضي 2020 ووجده مغايراً عما استقر في نفسه خلال شهر أبريل الماضي؛ وقت ذروة الأزمات.

 

ومع كل ما اعترى العام 2020 من جنون وانعدام يقين، ودون التقليل من حجم المأساة الإنسانية ومدى التأثير السلبي على العديد من الشركات في جميع أنحاء العالم، إلا أنه كان بمثابة جرس إنذار، وتعلمنا منه تقدير ما بين أيدينا، الامتنان للأشياء الصغيرة التي كنا نعدها من المسلمات والبديهيات، وأن نخصص وقتاً من حين لآخر لمراجعة أولوياتنا وقايسها بواقعنا. وفي أوقات الجمود والسكون، وهي أوقات عهدناها كثيراً في عام 2020، تسنح فرصة رائعة للتأمل وإعادة صياغة ما نريده من حياتنا وما نتصوره لمستقبلنا. يتحدث “ستيفن كوفي”، صاحب كتاب “العادات السبع للأشخاص الأشد فعالية”، عن عادات سبع علينا أن نكتسبها حتى ننجح في حياتنا ونحقق ما ننشده. وكانت العادة الثانية هي أن “تبدأ والغاية في ذهنك” أي أن تمتلك رؤية وأن تضع أهدافاً تتناسب وعزيمتك وقدراتك، حتى تعرف خطواتك التالية. وبطبيعة الحال، فإن الكلام سهل، ولا بأس في أن تبدأ بأهداف قصيرة الأمد، لأفق عام مثلاً، ومن ثم تتوسع وتتبنى أهدافاً لخمسة أو عشرة أعوام، أو حتى غايات للحياة بأكملها، ومن ثم تستعين بأسلوب الشرائح في تقسيم خططك إلى أخرى أصغر وأقصر فترة. والقصد هو أن تدرك معالم وسمات درب حياتك الذي تمضي عليه، أو كما يقول كوفي: “قبل أن تهم بصعود سلم النجاح، تأكد من أنك تسند حافته إلى البناء المنشود.”

 

ومن بين ما يقترحه الكتاب من أفكار، فيما يتصل بتصورنا لمستقبلنا وتحققنا من صواب رؤيتنا وأهدافنا، أن تفكر في كتابة مرثيتك بنفسك. وقد يعرف كثير منكم، أنه قد جرت العادة في الثقافة الغربية على أن يقوم محبو المتوفى بإلقاء بضع كلمات في رثائه وتأبينه أثناء مراسم جنازته؛ وفي مدح خصاله، سواءً أكان زوجاً/زوجةً، رفيقاً، صديقاً، زميلاً، وما إلى ذلك. أنت في لحظات مثل تلك معدوم الحيلة إزاء ما سوف يقوله محبوك عنك. أنت ميت. ولكن، ماذا لو استطعت أن تحدد ما سيقوله أحباؤك عنك؟، أن ترثي نفسك؟ الآن وأنت في عنفوان الحياة؟ تخيل أنك تسأل نفسك عما تبتغيه من الحياة، وعما ترغب في أن يقوله عنك ويذكرك به من تحب حال وفاتك. أقترح عليك أن تتخيل محبيك وهم يقرأون تلك المرثية التي كتبتها أنت في نفسك.. تخيل أبويك، أبنائك، أخوتك وأخواتك، زملائك في العمل، وأصدقائك. تقمص أدوارهم بحيث تسطر بقلمك ما ترى أنهم سيكتبونه عنك بعد رحيلك.. “كان أباً محباً كريماً.. كانت زوجة رائعة.. كان أفضل مدير في عملي.. كان أوفى صديق..”، وهكذا. واحرص على توخي الدقة في الوصف. فإذا أمكنك أن تكتب رأي هؤلاء فيك، فعندئذ تكون قد استطعت من كتابة تصورك لمسار ما تبقى من حياتك، وتكون قد وضعت دليل حياتك المرشد. وكل ما عليك بعد ذلك هو أن تمضي في حياتك وفق ما كتبته في مرثيتك الافتراضية تلك، وحل تفاصيلها إلى واقع ملموس. وعندما تشرع في كتابة كل نقطة من النقاط التي تتعلق بما ترغب أن يراك الناس عليه، فلسوف تبدأ بكتابة “كيف؟” لكل منها.

 

، لو قلت إنك تريد أن تكون أباً محباً حنوناً، فعندئذ يتوجب عليك كتابة “الكيفية” التي تود أن تحقق بها ذلك، من قبيل ما عليك القيام به تجاه أولادك حتى ينظروا إليك على هذا النحو. وهكذا مع كل النقاط الأخرى. وتذكر، أن وصفة النجاح المثلى هي أن تجمع بين الطموح لمستقبل رائع والرضا والقناعة لحاضرك.

 

ونصيحتي الأخيرة، لا تقع في براثن الرغبة في ربط اهدافك بدخول عام جديد فقط، فكل يوم يستحق أن يشهد منك العمل على تحقيق هدف جديد. وما الأول من يناير من كل عام إلا يوم آخر من أيام حياتك.

 

هيا، ابدأ في كتابة مرثيتك.

عام جديد سعيد على الجميع، وأطيب تمنياتي لكم براحة البال والرضا عن الذات.

 

مدونات أخرى

الخمسون الكبرى

  في أبريل، أتممت ربيعي الخمسين، أو “الخمسين الكبيرة”، على حد تعبير

تحدث معي