لي صديقة خبيرة تسويق ومتخصصة في وضع الاستراتيجيات للعلامات التجارية. وعكفت خلال الأشهر الثماني عشرة الماضية على تقديم محتوى غزير عبر الإنترنت، ما بين محتوى مجاني عبر صفحاتها في وسائل التواصل الاجتماعي، وآخر مدفوع من خلال الندوات والدورات التدريبية. سألتها: كيف يتسنى لكِ القيام بذلك يومياً؟ وهل لا تؤثر ظروف وتقلبات الحياة اليومية في مزاجك العام أو حماسك للقيام بما تقومين به؟ أخبرتني أنها بالطبع تمر بأيام جيدة وأخرى سيئة كما هو حال جميع البشر، وأنها أحياناً ما تستيقظ وهي لا تشعر بأي رغبة في القيام بعملها هذا، ولكنها أردفت، “الأمر كله في كلمة واحدة.. الانضباط”. تلك الكلمة هي الحافز والملهم ومصدر الطاقة بالنسبة لها. ومع “الانضباط” تستمر؛ رغم كل العوامل الخارجية والداخلية. وأتذكر أن لها مؤخراً منشور قدمت فيه صورة لشخص يتدرب في صالة ألعاب رياضية، وأسفل الصورة عبارة “إن كنت متعبًا، تدرب حتى وأنت متعب”.
>الانضباط هو الترياق؛ ما أن تشربه حتى يجري في عروقك، ويحولك إلى بطل فولاذي. في هذه المدونة، مقال سابق كتبته بعنوان “في جدوى أن تكون لنا عادات حميدة”، حيث تناولت القوة التي يكتسبها المرء من امتلاك عادات صحيحة في حياته وكيف له أن يطورها ليصل إلى أهدافه ومبتغاه. إن الانضباط هو ما يجعلك تتشبث بهذه العادات الجديدة وتحترم التزامك بها وبأهدافك. وهو ما يجعلك ملتزماً بالقيم التي تتبناها في الحياة، وتكون أهلاً لما تؤمن به، فتضع كل ذلك نصب عينيك دوماً، لتهتدي به في درب حياتك.
وبمناسبة أيام شهر رمضان المباركة، سألني ابني منذ يومين، “كيف يجعلنا الصيام نعايش ما يشعر به الفقير من جوع؟ فأنا لست بجائع ولا تنتابني أي مشاعر”. بادرته بالتأكيد على ما يفكر فيه، وأن الصوم لا يتعلق بمشاركة الفقراء أحاسيس الجوع، بل أن جوهره هو أن نعتاد كبح جماح النفس. يعلمنا الصوم احترام نظام بعينه وأن نلتزم بتنفيذه حتى وإن خالف ذلك ما اعتدناه في حياتنا اليومية، ويعودنا إلا أن نكون في طوع شهواتنا ورغباتنا، وأن علينا أداء هذه الشعيرة على أتم وجه ممكن. فهنا، يكون شروق الشمس وغروبها هو نطاق القيام بروتين حياتي مميز ومختلف، يتوجب علينا خلاله اتباع أوامر واجتناب نواهي، خلال نهار رمضان، الأمر الذي يتطلب منا عزيمة ودرجة عالية من الانضباط.
على أن ذلك يتوقف بطبيعة الحال على مدى رغبتك في تحقيق هدفك أو حلمك، لأن مجرد الرغبة في الشيء لا تكفي لتحقيقه، فهناك حاجة إلى بذل الجهد وامتلاك قوة الإرادة اللازمة. ولا أجد تعبيراً أفضل عن هذه المعاني مما قام به النجم “ويل سميث”، وهو يتقمص شخصية “كريس” في فيلم “السعي للسعادة” The Pursuit of Happyness، في المشهد الذي يلعب فيه كرة السلة مع ابنه، وكان يحاول في البداية دفع ابنه للتوقف عن إضاعة وقته في لعب كرة السلة وأنه لن يكون بارعاً في هذه اللعبة، إلى أن شعر ابنه بالإحباط، وعندئذ أدرك “كريس” أنه لم يساعد ابنه وهو يصدّر له كل هذه المشاعر السلبية. لذا، تراجع عن ذلك وعاد يقول له، “عندما تمتلك حلماً يكون عليك أن تحميه وتصونه، وعندما يعجز الناس عن القيام بشيء فإنهم يلحون عليك بأنك ستعجز بدورك عن الوصول إليه. إن أردت شيئاً، فاعمل إلى أن تناله. هكذا فحسب، لا أكثر ولا أقل”
تتعدد وتتنوع المصادر والكتب التي تناولت الانضباط، والكيفية التي يمكنك بها لعقلك أن ينتهج هذا المنحى، بحيث تلتزم بأهدافك وغاياتك وتحققها. عليك أن تعتبر الانضباط وترويض الذات عضلة تنمو وتتشكل مع مرور الوقت، وعليك أن تدرك أنها ملكة لا تكتسب في يوم وليلة، بل أن في الأمر الكثير من الجهد خلال الكثير من الوقت. وهنا، أوافيك ببعض من توصياتي في هذا المسعى:
- كن واضحاً في أهدافك. الوعي باتجاهك هو الأساس والمنطلق، ومن دون ذلك تسقط في دوائر مفرغة لن تقودك إلى أي شيء. فعليك أن تعمل وأنت تضع غايتك صوب عينيك، وأنت تعرف ما تريد تحقيقه. دوّن هدفك وضعه أمام ناظريك كل يوم. ربما تجد ذلك هيناً، ولكنها أصعب خطوة، لذا فكر ملياً إلى أن تتيقن مما تريد تحقيقه. ولاحظ، أن رغبة مثل “أريد أن أصبح غنياً” ليست بهدف محدد أو بحلم واضح تريد السعي وراءه. ولكنك إن قلت مثلاً، “أريد أن أكسب 20 مليون دولاراً في حسابي المصرفي بحلول عامي الأربعين”، فهذا هدف واضح يمكنك العمل ووضع خطة لتحقيقه، وهذا على افتراض أنك لست بالفعل في سن التاسعة والثلاثين، بل لا يزال أمامك متسع من العمر بما يتيح لك العمل على تحقيق هذا الهدف.
2. حياتك مسؤوليتك. أياً كانت مجريات حياتك، وتقلباتها صعوداً وهبوطاً، فاعلم أنها مسؤوليتك أنت وليس أي شخص آخر. عليك ألا تلوم أحداً على أي شيء يحدث لك وأن تتحمل المسؤولية دائماً، فعندئذ فقط تتمكن من تغيير وضعك للأفضل. إنها عقلية تجعلك تدرك أنك المتحكم في مسار حياتك، وأن لديك قوة وعزيمة، وطالما أنك تمتلك السيطرة، فستكون قادراً على تحسين حياتك للأفضل.
3. احترم ما تؤمن به من قيم. إنها بمثابة البوصلة التي تهتدي بها، والملاك الحارس الذي يحميك من أن تحيد عن المسار الصحيح. حياتنا مليئة بأسباب تشتيت الذهن والإغراءات التي قد نضعف لها، وليس بيننا من لم يتعرض للإغراء ويضعف في بعض الأحيان، فلا بأس في ذلك. ولكن، عليك تذكير نفسك دائماً بمراجعة أفعالك وقياسها وفق منظومة قيمك، حتى تنبه نفسك إلى غايتك. ومن ثم، عد إلى المسار الصحيح. كما أن قيمك هي تذكير لك بما تريد تحقيقه وما تسعى إليه.
4. أدر وقتك بكل صرامة. اليوم أربع وعشرون ساعة، وهذه حقيقة ثابتة لنا جميعاً، بحيث لا يكون من المنطقي أن يشتكي أحد من أن وقته أقصر من وقت غيره. انظر حولك وانظر إلى جميع الشخصيات الناجحة التي صنعت التاريخ، هم بدورهم تحركوا في إطار نفس الأربع وعشرين ساعة. عليك أن تحسن إدارة وقتك، واستخدم التطبيقات أو التقويمات الرقمية، وسجل فيها كل شيء، حتى مواعيد وجبات الطعام ووقت النوم. ثم اتبع ذلك بكل صرامة.
5. لا تستسلم. ثابر واستمر، مهما حدث. ومع الوقت، يصبح الانضباط أسهل، ما أن تجعل كل العادات المطلوبة جزءاً من روتينك اليومي، فعندئذ تصير طبعاً فيك، ولكن تحقيق ذلك يستدعي منك المثابرة. وعندما تشعر بالإحباط أو التعب أو أنك على وشك الاستسلام، بادر بتذكير نفسك بالسبب الذي دفعك إلى القيام بكل ذلك في المقام الأول، وعد إلى أهدافك وأحلامك التي دونتها في البداية، واقرأها ملياً، حتى تترسخ مجدداً في عقلك.
6. ليكن لديك صديق حريص عليك. اتصل بصديق واطلب منه أن يكون وصياً على وقتك والبرنامج الذي وضعته، حتى يتابع تقدمك ويعيدك إلى المسار الصحيح كلما حدت عنه. كما يمكنك أن تقوم معه بالدور ذاته، حتى تشجعا بعضكما البعض.
7. كافئ نفسك. حدد لنفسك مكافأة تنالها كلما أتممت مرحلة أو قطعت خطوة في درب رحلتك. في هذا حافز كبير، علاوة على إرضاء ذاتك وتشجيعها. ولتكن مكافآت صغيرة بسيطة، كافية لأن تدفعك للأمام ولكن ليس إلى درجة أن تقنع بما حققت وتسكن إلى ذلك. واحرص على ألا تكون المكافأة سبباً في إلهائك عن مسعاك. وفي المقابل، عليك أن تعاقب نفسك في حال عجزت عن إتمام مرحلة أو تعثرت في خطاك نحو أهدافك أو كنت كسولاً، وذلك بغرض أن تجد الحافز الذي يدفعك إلى مواصلة الرحلة.
لا أعذار بعد اليوم.. انهض واعمل.. واعمل.. وتذكر ما قاله رجل الأعمال الشهير “جيم رون”: “الانضباط جسر بين الأهداف وتحقيقها”.