يخوض الكثير منا كفاح الموازنة بين العمل والحياة الشخصية في محاولة لإيجاد التوازن، ونفترض أننا سننجح في ذلك قريباً، فنقول لأنفسنا إننا بحاجة لإنهاء هذا المشروع أو المهمة أو العمل فقط ونبحث عن وظيفة أعلى أجراً، ونرغب في الوقت نفسه بأن نكون حاضرين في جميع اللحظات الخاصة لعائلتنا، ثم نتطلّع إلى تحمّل المسؤولية وصعود السلم الوظيفي بالشركة، لكننا مع ذلك لا نريد إغفال عطلة نهاية الأسبوع مع عائلتنا وأصدقائنا والتخطيط لقضاء إجازات طويلة في الصيف.
عززت حقبة ما بعد كورونا الحاجة لمزيد من التركيز على رفاهية الفرد وأعطت مزيداً من المرونة والفهم لحياة الموظفين الشخصية واحتياجاتهم، فقد أجبرنا الإغلاق الكامل والبقاء في المنازل، على أخذ إجازة طويلة الأمد لبضعة أشهر، أعدنا فيها النظر في أولوياتنا الحياتية، وهكذا برزت الحاجة المذكورة.
في الولايات المتحدة وأجزاء كثيرة من أوروبا، أصبحت الشركات التي لديها نماذج عمل مرنة وتسمح بالعمل عن بُعد، هي الوجهات الجذابة المفضلة للعمل بدلاً من تلك التي لا تقدم هذه الميزة، وبالمقابل ازداد عدد الاستقالات من الشركات التي لا تسمح بأسلوب عمل مرن لموظفيها، وأصبح العمل عن بُعد عاملاً حاسماً في التعيينات الجديدة، وعاملاً أكثر أهمية من الأجر في كثير من الحالات.
ولكن من وجهة نظر الشركات، هناك رفض لأسلوب العمل الكامل عن بُعد ورغبة في إيجاد حل وسط، باستثناء شركات التكنولوجيا التي كانت أول من تبنى نظام العمل عن بُعد. ورأينا جميعاً ما قاله إيلون ماسك لموظفيه حول العودة إلى المكتب قبل أسبوعين، وأرسل العديد من كبار المصارف في الولايات المتحدة رسائل مماثلة إلى الموظفين. ومع ذلك، بدأت العديد من الشركات في دراسة خيارات أنماط العمل المرنة لتلبية متطلبات موظفيها.
وبدأت بعض الشركات في السماح بالعمل عن بُعد بالكامل بشكل مماثل لشركات التكنولوجيا، وعرضت شركات أخرى نموذج العمل عن بُعد لبضعة أيام في الشهر. وباعتبار أنه لا يوجد حل واحد يلائم الجميع، فإن مستوى المرونة برأيي الشخصي يختلف من شركة إلى أخرى ومن قطاع لآخر، والحقيقة هي أن المرونة ستصبح هي القاعدة، والعديد من الشركات سوف تتكيف معها تحت ضغط متطلبات السوق.
ولكن، حتى قبل حقبة كوفيد-19، كان الناس يبدلون أماكن عملهم لتتماشى مع قيمهم وأهدافهم أو للهروب من العمل مع مدير سيئ أو في ظل بيئة عمل سلبية، والكثير من الموظفين مستعدون لقبول رواتب أقل مقابل العمل في شركة ذات بيئة عمل أفضل أو العمل تحت قيادة قائد داعم، يمكنه مساعدتهم في التعرّف على إمكاناتهم والنمو.
الاستقرار العقلي والنفسي في مكان العمل (إن كان من المكتب أو عن بُعد) هو عامل أساسي لجميع الموظفين.ويمكننا في الواقع تقسيم حياتنا إلى أربعة أقسام أساسية: العمل، والحياة الشخصية، والجانب الجسدي، والجانب الروحي. يمكنك تحقيق أفضل نموذج لحياتك بالتركيز على كافة الجوانب، فمثلاً يقسم البعض وقتهم وطاقتهم بالتساوي ويعطون ربعها لكل من الجوانب الأربعة، بينما يتجاهل البعض الآخر عامل اللياقة الصحية مثلاً ويركّزون أكثر على الجوانب الثلاثة الأخرى.
ويقرر البعض أنهم يريدون تكوين أسرة، ويكون هذا الجانب هو الأهم بالنسبة لهم، بينما يرغب البعض الآخر في تكريس حياتهم لمساعدة الآخرين، مثل الأطباء الذين يسافرون حول العالم لدعم المحتاجين وليس لديهم الوقت لبناء أسرة والاستقرار في مكان واحد.
تقسيم حياتنا بين تلك الجوانب الأربعة هو اختيار شخصي بحت، وجميعنا يختار القيام بما نشعر أنه الأفضل لنا ويتناسب مع أولوياتنا. تخيل أن وقتك وجهدك يبلغان 100 نقطة يومياً، وبينما يعود الأمر إليك في كيفية توزيع هذه المئة نقطة على الأرباع الأربعة، يجب أن تكون نتيجة خياراتنا أن نحصل على ما يصل إلى 100 نقطة جديدة. ولا يمكنك إعطاء كل الأرباع 50% من طاقتك لأنك ببساطة لن تحصل على المزيد من النقاط لصرفها، بمعنى آخر، يجب أن تكون على استعداد لتحمل نتيجة التركيز على ربع واحد أكثر من الأرباع الأخرى لأنه لا يوجد قرارات بلا نتائج في الحياة الواقعية.
السؤال إذاً هو كيف تجد التوازن؟
برأيي الشخصي، يكمن التوازن الحقيقي في تحديد غايتك، وبمجرد معرفتك لذلك، ستعرف أولوياتك وستجد نفسك تتصرف وفقاً لها بسلاسة. افترض أن غايتك هي تكوين أسرة أولاً، في هذه الحالة لا يمكنك الالتزام بوظيفة تتطلب منك العمل أكثر من عشر ساعات في اليوم أو في عطلات نهاية الأسبوع حتى لو كان الأجر جيداً، لأن هذا يعني ببساطة أنك لن تحقق غايتك للتركيز على العائلة أولاً.
من ناحية أخرى، ستلاحظ أن جميع الأشخاص الذين يتحركون بسرعة في السلم الوظيفي بالشركة يمنحون هذا الربع مزيداً من التركيز على حساب الأرباع الأخرى، فيعملون على مدار الساعة للتغلب على المنافسين من أجل الحصول على الترقية وإثبات كفاءاتهم. ولن يشعروا بالذنب لأنهم يعملون بما يتماشى مع رؤيتهم، لكنهم قد يشعرون بالتوتر إذا كانت رؤيتهم لا تتوافق مع رؤى مَن حولهم، كشركاء حياتهم مثلاً. ومن ثم، فإن التوازن بين العمل والحياة لا يعني معاملة جميع الأرباع على قدم المساواة، بل يمكن تحقيق ذلك من خلال إعطاء كل ربع الاهتمام اللازم لتحقيق غايتك، وإليكم بعض ما يجب التفكير به لخطواتكم القادمة:
من ناحية أخرى، ستلاحظ أن جميع الأشخاص الذين يتحركون بسرعة في السلم الوظيفي بالشركة يمنحون هذا الربع مزيداً من التركيز على حساب الأرباع الأخرى، فيعملون على مدار الساعة للتغلب على المنافسين من أجل الحصول على الترقية وإثبات كفاءاتهم. ولن يشعروا بالذنب لأنهم يعملون بما يتماشى مع رؤيتهم، لكنهم قد يشعرون بالتوتر إذا كانت رؤيتهم لا تتوافق مع رؤى مَن حولهم، كشركاء حياتهم مثلاً. ومن ثم، فإن التوازن بين العمل والحياة لا يعني معاملة جميع الأرباع على قدم المساواة، بل يمكن تحقيق ذلك من خلال إعطاء كل ربع الاهتمام اللازم لتحقيق غايتك، وإليكم بعض ما يجب التفكير به لخطواتكم القادمة:
تحديد الرؤية: ليس من السهل معرفة ما ترغب بتحقيقه وتحديده، لكن في الواقع من المهم استثمار وقتك وطاقتك في التفكير ملياً بذلك، وبمجرد أن تصل إلى رؤيتك ستكون قرارتك سهلة. سجعلك ذلك تحدد أهدافك وقيمك، وسيمنحك مجموعة من المعايير التي لن تكون على استعداد للتنازل عنها أو العمل بدونها.
إيجاد مهنة تناسب شغفك: يجب أن تختار مهنة تستمتع بالقيام بها لتمنحك إحساساً بتقدير الذات. وإذا لم يكن الأمر كذلك، اعمل على تنمية نفسك وابحث عن الوظيفة التي تلائم رغباتك.
الوظائف الكبيرة تستهلك وقتك. كلما تقدّمت في السلم الوظيفي بالشركة، قلّت فترات الراحة الحقيقية. ونظراً لأنك سوف تتحمل المزيد من المسؤوليات، فمن المتوقع أن تتخذ المزيد من القرارات ويُتوقّع منك أن تكون متاحاً على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، فلكل شيء ثمن.
في أحد أفلامي المفضلة، “محامي الشيطان” (The Devil’s Advocate)، كان جون -الذي يؤدي دوره آل باتشينو- يمشي مع محاميه الذي تم تعيينه حديثاً، وهو كيفن -الذي يؤدي دوره كيانو ريفز، يخبر كيفن جون أن زوجته مريضة وتعاني من بعض المشاكل النفسية، فيرد جون بأنه سيخرجه من القضية حتى يتمكن كيفن من التركيز على ما يجب التركيز عليه، وهو زوجته. ولكن غرور كيفن دفعه لمحاولة تبرير أن متابعة العمل على القضية هو من أجلها، حيث قال: “أنت تعرف ما يخيفني، إذا تركتُ القضية وتحسّنت زوجتي بعدها، سأكرهها بسبب ذلك”، وإن أفضل اقتباس من الفيلم هو قول الشيطان “الغرور هو خطيئتي المفضلة”.
من جدّ وجد، وفي جميع الأحوال، إنها حياتك الشخصية وأنت حر بما تفعله فيها. والدرجة الأخيرة للنضج هي تحمل مسؤولية كل ما يحدث لك. فكّر في الأمر كالتالي: إذا اعتبرت مشكلة ما مسؤوليتك، فمن المنطقي أن تمتلك خيار حلّها والتحكم بها. لكن إذا قلت إن هذا أو ذاك خطأ شخص آخر، فأنت تحرر نفسك من عجلة القيادة، ولن تكون قادراً على حل مشاكلك، فلا يمكنك التحكم في قرارات الآخرين.