ما الذي يجول في بالكم؟

 

 

عندما فتحت روز عينيها لتتفقّد جاك، الذي كان يتجمد حتى الموت في مياه المحيط الأطلسي، هزّته بعنف في محاولة يائسة منها لإيقاظه، لأنها لم تكن تتقبّل فكرة موته. ثم انفجرت باكية عندما رأت جسده يغرق في أعماق المحيط. كان ذلك المشهد الشهير في فيلم “تيتانيك” لحظة مؤلمة، وكل من شاهده في صالة السينما عام 1996 اغرورقت عيناه بالدموع مع روز، وشعر بألمها كما لو كان ألمه هو شخصياً. أتذكر أنني وقتها شاهدت هذا الفيلم أربع مرات في صالات السينما، حيث كنت وقتها طالباً في الجامعة في الولايات المتحدة الأميركية، ولكن هذا موضوع آخر ربما تناولته في مدوّنة قادمة.  

 

كان جميع الحاضرين في قاعة السينما وقتها يعرفون أنه مجرد فيلم. لكنهم مع ذلك أحسوا بشحنة عاطفية قوية عندما شاهدوا ذلك المشهد السينمائي وأحسوا بالحزن كما لو أن المشهد كان حقيقياً. وعندما خرج الناس من الصالة بعدها، ذكّروا أنفسهم أنه كان مجرد فيلما سينمائيا وليس حقيقياً، وقد تركت تلك الفكرة أيضاً أثرها على مشاعرهم، وهكذا اختفت مشاعرهم السلبية المرتبطة بالفيلم. وهنا يطرح المرء على نفسه السؤال التالي: لماذا حصل ذلك؟ عادة ما تكون أفكارنا مركّزة على المعلومات التي نحصل عليها من المشهد الذي نشاهده أو نقرأ عنه، ونتفاعل معه. ويسهم ذلك في إنشاء سردية في أذهاننا مستمدة من المعلومات التي نتلقاها وكيف يجب أن تجعلنا نشعر. ويترجم جهازنا العصبي هذه السردية إلى عواطف ومشاعر، ويبدأ مزاجنا ومشاعرنا بتجسيد أفكارنا الحزينة أو السلبية.  

 

يصحّ الشيء ذاته أيضاً على الحياة الواقعية، حيث تتجلى أفكارنا في الطريقة التي نشعر بها. فعندما نقع فريسة لسلسلة من الأفكار القلقة الناشئة في رؤوسنا، نجد أنفسنا نبني سيناريوهات كاملة في أذهاننا لما نفترض أنه قد حصل؛ لماذا لم تعاود الاتصال؟ أو ما الذي كان يعنيه فلان عندما تفوّه بتلك الكلمات؟ ثم نبدأ بالإحساس كما لو أن تلك الأفكار المختلقة في خيالنا كانت حقيقية. وتبدأ حالتنا الذهنية وعواطفنا بعكس هذه الأفكار. ونظراً لعدم معرفتنا بالأسباب، فإن ذلك يجعل أذهاننا القلقة تأخذ بحسبانها السيناريو الأسوأ المختلق، الذي يكون سلبياً بالعادة.  

 

ليس هناك ما هو أسوأ من الوقوع في براثن سلسلة من الأفكار السلبية. فهو يتسبب بهدر الوقت والجهد ويجعل اليوم كله تعاسة، ناهيكم عن التوتر غير الضروري الذي يتسبب به للحلقة الضيقة من الأشخاص المحيطين بنا.  

 

وفيما يلي بعض المقترحات التي يمكن أن تساعدكم على التعامل معه.  

 

● عيشوا اللحظة الراهنة الآن هنا. تعلّموا كيف تركزون على اللحظة الراهنة وكيف تعيشونها. انتبهوا دائماً إلى أفكاركم بما أنها سوف تتحكم بمزاجكم طوال الوقت. لذلك تأكّدوا من أن تكون أفكاركم على الدوام لصالحكم، وإذا ما انزلقتم، توقفوا على الفور، وأعيدوا النظر في وضعكم وغيّروا أفكاركم مباشرة. يقول جيم رون: “أينما تكونون، كونوا هناك”. فإذا ما كنتم مع العائلة، كونوا معها، واستمتعوا باللحظة، ولكن لا تجلسوا معها في حين يكون ذهنكم في المكتب، أو على شبكات التواصل الاجتماعي، أو أي شيء لا يمتّ بصلة للحظة الراهنة. والعكس صحيح، فإذا ما كنتم في المكتب، كونوا فيه ولا تشتتوا أذهانكم بالتفكير بأشياء أخرى.  

 

● تبنّوا معايير قوية في حياتكم. امتلاك معايير يعني أن دافعكم وما يحفّزكم نابعان من ذواتكم، وأن العوامل الخارجية لا تؤثّر فيهما. كما أنه يعني أنكم تعرفون حدودكم وأنكم لن تسمحوا لأي عوامل خارجية بتجاوزها، سواء أكانت هذه العوامل على شكل أشخاص أو أفكار. فهي ستجعلكم تركّزون دائماً على ما يهمكم، وليس بوسع كائن من كان أن ينتزع منكم ذلك إذا كنت أوفياء لمعاييركم.  

 

● احصوا نِعَمَكُم وعُدُّوها. مهما كانت الظروف التي نمرّ بها، فإن النعم التي نرفل فيها في حياتنا تفوق بكثير أحزاننا. ذكّروا أنفسكم بالنِعَم التي تحيط بكم كل يوم وقبل أن تخلدوا إلى النوم كل ليلة. فهذه الذكرى ستُشعِرُكم بالطمأنينة والسلام في أصعب اللحظات. عبّروا عن امتنانكم لجميع الأشياء الصغيرة الموجودة في حياتكم، وستفاجَؤون كيف سيغيّر ذلك مزاجكم، ويحسّنه، ويزيد من الدوبامين (هرمون السعادة) في دمائكم. بوسعكم قراءة المزيد عن هذا الأمر في إحدى تدويناتي السابقة بعنوان “كن ممتنا”.  

 

● ازفروا الشعور بالقلق خارج صدوركم. لست خبيراً في التنفس، لكنني قرأت مؤخراً عن هذا الموضوع لاكتشف أن التنفس يساعدكم في تنظيم أفكاركم ويريحكم. وأنا أقرأ حالياً كتاباً رائعاً بعنوان “التمرّن الداخلي” (Innercise) لمؤلفه جون أسراف (John Assaraf). يعلّم أحد التمارين الواردة في الكتاب القرّاء كيف يأخذون نفساً عميقاً وطويلاً (الشهيق) لست مرات من الأنف، وكيف يُخرجون هذه الأنفاس من أفواههم (الزفير) ببطء على أن يركزوا أذهانهم خلال هذا الوقت على ما يريدون. كرروا هذه العملية ست مرات على التوالي، عبر امتصاص الأفكار الإيجابية في الشهيق وطرد الأفكار السلبية في الزفير. على سبيل المثال، أثناء الشهيق، قولوا شيئاً من قبيل: “أنا أتنفّس السلام والإيجابية”. وأثناء الزفير، قولوا شيئاً من قبيل: “أنا أخرج التوتر والألم من صدري”.  

 

يكاد عام 2021 ينصرم. راجعوا كل ما حصل معكم خلال هذا العام، بخيره وشرّه. اعربوا عن امتنانكم للأشياء الإيجابية التي حصلت معكم واكتبوها، وقدّروها، واعترفوا بها، وكافئوا أنفسكم عليها. ثم اكتبوا الدروس والعِبر التي استفدتم منها من اللحظات السيئة لكي تتجنبوها مستقبلاً. الأهم من ذلك كله هو أن تتتبّعوا تطوركم، وما تعلمتموه، وأن تضمنوا تحسين أنفسكم مقارنة بالعام السابق في جميع جوانب حياتكم، على الصعيد الشخصي، والمهني، والمالي، وأن تصبحوا أكثر حكمة وأفضل في إدارة شؤون حياتكم. وأنتم تفعلون ذلك، ضعوا أهدافكم للعام 2022 وتابعوا التقدم الذي تحرزونه لكي تراجعوه في العام المقبل.  

 

ثم قولوا لأنفسكم: “تعالي يا سنة 2022؛ فأنا جاهز”.  

مدونات أخرى

تحدث معي

Discover more from Rakan Tarabzoni's Blog

Subscribe now to keep reading and get access to the full archive.

Continue reading